درس في إدارة الأزمات نتعلمه من هذه السيدة التي تقود بلادها بكل حكمة وهي لم تبلغ بعد سن الأربعين.
فقط بخمس خطوات محنّكة وذكية استطاعت رئيسة وزراء نيوزيلاند جاسيندا آرديرن إخراج بلادها من أزمة لو أنها اندلعت لما اكتفت بإحراق نيوزيلاند فقط بل لكانت امتدت لتصبح فوضى عارمة ولطالت دولاً ينعم سكانها بالأمان.
بعيداً عن أي عمل سياسي أو خطاب منمّق، ركزّت جاسيندا على بلدها وحللت الحادثة وقضت عليها قبل أن تكبر وتنقلب لأزمة خارجة عن السيطرة، وهذا ما يتعرض له باستمرار جميع المدراء ورجال الأعمال مهما كبرت أو صغرت أعمالهم وشركاتهم، وهنا فقط يمكننا معرفة من منهم المدير القوي ومن منهم الضعيف.
وبالعودة الى نيوزيلاند وقائدتها التي أثبتت نجاحها في إدارة الأزمات، لنحلل معاً ما قامت به من خطوات إدارية لحل الأزمة:
أولاً:
أول خطوة يجب على القائد الإداري فعلها في حالات الأزمات هي الخروج للعلن والتصريح بشكل واضح وصريح والاعتراف بالأزمة واحتوائها وإن كانت خطته جاهزة فالآن هو الوقت الأنسب للتصريح عنها، وهذا ما فعلته جاسيندا حين نشرت أول تغريدة لها على تويتر وقالت: "نيوزيلاند وطنهم وهم نحن" وبذلك احتوت أول طرف من أطراف الصراع (المسلمون) وكسبت رضاه ووقوفه بصفها ومنعت من حدوث أي مسافة بين المهاجرين والنيوزلنديين، أما الطرف الثاني فقد ألقي القبض عليه وهو يمثل نفسه بالتالي لا داعي للحديث عنه.
ثانياً:
تعاملت مع الحادثة بدافع إنساني ووصفتها بالإرهاب بعيداً عن جميع الآراء والمواقف والاتجاهات الدولية، فبالنسبة لها هذا شأن داخلي وزعزعة للأمن في البلاد. بمعنى إداري على القائد أن يرى المشكلة بنظرة عامة وشاملة وليس بخصوصية وفردية الأطراف المشاركة، فما حدث اليوم بين طرفين قد يحدث غداً بين غيرهما، وما حدث في مكان قد يحدث في آخر، لذلك علينا أن ننظر للأمر بشمولية أكبر.
ثالثاً:
أماتت اسم المجرم وعززت دور الضحية، حيث طالبت وسائل الإعلام كافة بالتركيز على الضحايا وتكريمهم ورواية قصصهم، أما الفاعل فوصفته بالإرهابي والمجرم والمتطرف ولن يذكر اسمه أبداً. وهذا ببساطة هو النظر الى النصف المملوء من الكأس وتجاهل النصف الفارغ.
رابعاً:
بعد امتصاص الصدمة وتهدئة الجو يحين دور الإصلاح، فينظر القائد الإداري الى المشكلة التي سببت بحدوث الأزمة ويحاول حلها. وهذا ما فعلته جاسيندا من خلال إصلاح قوانين حيازة وحمل الأسلحة في البلاد. وهنا يكمن نصف الجهد إدارياً في حل أي أزمة وتجنب تكرارها، أما النصف الثاني فقد كان في الخطوة الأولى.
خامساً:
أما الآن فبالنسبة للقائد الإداري الأزمة قد انتهت وتم حلها وتجنب تكرارها في المستقبل وما بقي سوى المداواة والمواساة لأي جرح خلفته هذه الحادثة. وبالنسبة لجاسيندا فقد تقربت من الضحايا وارتدت الحجاب ولون الحداد وتمت قراءة القرآن في افتتاح جلسة البرلمان الأولى بعد الحادثة كما تضمن خطابها بعض الكلمات العربية بعد أن بدأته بـ "السلام عليكم".
ووعدت بإحضار ذوي الضحايا للجنائز على حساب الحكومة وبالتكفل بتكاليف الدفن وإعادة الجثامين لمن أراد الى بلده الأصلي.
فراس رمو